عمان عظيمة بشعبها

0 972
🖋يونس المعمري
أود أن أكتب كثيراً عن يوم عمان المشهود، حيث التفت كل المحافظات على شمال الباطنة واحتضنتها وربتت على كتفها ومسحت على رأسها في يوم الجمعة ٨ أكتوبر ٢٠٢١. لا أعرف من أين أبدأ، فكل شيء كان جميلاً. وصلت للمكان الذي يعمل فيه شباب ولايتي، قلت لمن تلقاني لدى وصولي: لدي مكنسة وشفاطة وبعض
الأدوات لأعمل بها، فقال اتركها كلها، فلدينا كثير منها في المنزل الذي نعمل فيه، ونحن هنا منذ ثلاث أيام متتالية. عرفت منهم لاحقا أنهم استأجروا مكاناً مناسباً يباتون فيه ليلاً، وينطلقون عند الفجر لينظفوا المنازل، أي عظمة هذه من شباب لم يطلب منهم أحد ذلك، ما هذا الدافع العظيم الذي
يحملونه في قلوبهم. الطين هو سيد الموقف في هذه الكارثة، ومعه الجدران المتساقطة، والبيوت المتعبة من الوقوف، والأشجار التي لم تنم ليلتها الأخيرة واقفة، بل استلقت وتهاوت على الأرض، وبرك الماء، والوحل. يا إلهي، من أين جاء كل هذا الطين! أطنان من الطين السميك جداً في كل مكان، بعضه
متراكم وأصبح ارتفاعه أكثر من ٥٠ سم. والطين نوعان ( و هذا مما تعلمته اليوم) طين رطب، كريه الرائحة، سميك البدن، صعب الإزالة، جاثم على المكان، يمنعه من التنفس، وطين جاف، سريع الإزالة، بلا رائحة، اكتفى من النوم في بيوت الناس. كان كل شيء غريباً، أفواج من الناس
لا يعرفون بعضهم، يدخلون بيوت أناس لا يعرفونهم، يعملون معا،  يندمجون بسرعة،  ينظفون ويتحدثون ويخططون ويضحكون، وحينما ينتهون يسألون بعضهم،  من أين أنتم؟ من شناص و صحار والرستاق والشرقية و مسقط ونزوى ومن كل مكان، كأن عمان اجتمعت تحت سقف واحد. الشباب يمرون في الحارات، بين المنازل
في الأزقة الموحلة، على أغصان الشجر وجذوع النخل، يبحثون عن منزل لم يسبقهم  إليه أحد لينالوا شرف خدمة أهله، فإن لم يجدوا لكثرة الفرق الموجودة فإنهم يعلمون مع أي فريق لينظفوا منزلاً واحداً، كان الشباب يحملون في أيديهم المعاول وأدوات التنظيف، وفي قلوبهم يحملون عمان.
بعض الأهالي هناك كانوا يجلسون على قارعة الطريق، على أي خشبة يجدونها ويضعونها فوق الأرض الرطبة، في وجوههم ترى الصدمة، هل هذه حقا قريتنا وبيوتنا التي عشنا فيها دهوراً! مع ذلك كانوا ودودين، شرحين، متفائلين، صابرين، شاكرين لأنعم الله عليهم. والأطفال لم تعد مساحات قراهم كما تعودوها
فلم يتمكنوا من لعب الكرة فيها، ولا ركوب دراجاتهم الهوائية، ولا أن يركضوا ويلهوا فيها. كان يوماً مهيباً قد لا نتمكن من وصفه. ومن الغرائب إنك ما أن تفكر بأنك تريد ماء للشرب، تجد شابا لا تعرفه يأتي لك بماء بارد، وما أن تبدأ تشعر بالجوع، ترى عشرات صحون الغداء أمامك، وما إن تحتاج
أداة للتنظيف تجد زميلك يناولك إياها من دون طلب منك، كأنما هناك أرض الكرامات، لكثرة ما قدم من خير فيها. و هناك كثير مما في ذاكرتي قد أكتبه في وقت آخر. سلام لعمان، وأهل عمان.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.