الحرس السلطاني العُماني.. درع حماية وحصن أمان

0 34

 

 

بقلم الدكتور حامد بن عبدالله البلوشي

(مدير عام شبكة الباحثين العرب في مجال المسؤولية المجتمعية)

يحتفل الحرس السلطاني العُماني في الأول من نوفمبر بيومه السنوي، وهي مناسبةٌ وطنيةٌ ساميةٌ تُبرزُ مكانةَ الحرسِ السلطانيِّ العُمانيِّ، ودورَه التاريخيَّ والحضاريَّ في مسيرةِ هذا الوطن العزيز؛ فالحرسُ السلطانيُّ العُماني ليس مجردَ قوةٍ عسكريةٍ فحسب؛ بل هو مؤسسةٌ ذاتُ أبعادٍ حضاريةٍ، وإرثٍ عريقٍ يمتدُّ عبرَ صفحاتِ التاريخِ، متصلًا بالأدوارِ التي حققها الحرسُ في الحضارةِ الإسلاميةِ قديمًا في الدفاعِ عن الدينِ والدولةِ، وحفظِ مكانةِ الحكامِ والخلفاءِ.

ومنذُ فجرِ الإسلام، كان للحرسِ مكانةٌ بارزةٌ في حمايةِ الدولةِ الإسلاميةِ والخلفاءِ الراشدين. فقد كان الحرسُ في العهدِ النبويِّ يرعى أمنَ المدينةِ المنورةِ، ويحمل على عاتقه توفيرِ الاستقرارِ، وحمايةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم من الأخطارِ الخارجيةِ. ومع تطورِ الدولةِ الإسلاميةِ، أصبحَ الحرسُ جهازًا لا غنى عنه في الحفاظِ على أمنِ الخلفاءِ، والأمراءِ، والسلاطين، ومكانتهم الرفيعةِ في المجتمعِ، وعلاوةً على جهوده بصفته سلاحًا عسكريًا؛ فقد كان يحمي العدلَ، ويصونُ الدولةَ الإسلاميةَ في مواجهتِها للتحدياتِ الداخليةِ والخارجيةِ.

ومما لا شك فيه؛ أن مكانة الحاكم عبرَ التاريخِ ظلتْ رمزًا لوحدةِ الأمةِ واستقرارها؛ فهي تمثلُ القيادةَ، والحكمةَ، والرؤيةَ التي تستظلُّ بها الشعوبُ، وتجدُ فيها أمانَها واستقرارَها. والحفاظُ على هذه المكانةِ يتطلبُ أجهزةً قادرةً على تحملِ المسؤوليةِ في الأوقاتِ الصعبةِ، وأوقات الرخاءِ على حدٍّ سواء. وللحرسِ في ذلك دورٌ لا يُستهانُ به؛ إذ يُعد سلاحًا قتاليًّا أمنيًّا متكاملًا، باعتباره جزءًا من منظومة أسلحة قوات السلطان المسلحة العسكرية الحديثة، ولذا فقد برز دوره في حمايةِ هذه المكانةِ من أيِّ تهديدٍ، والعمل على تعزيزِها من خلالِ ولائِه المطلقِ للحاكم، وخدمةِ الوطنِ.

وقد شهدتْ سلطنةُ عُمان عبرَ التاريخِ أدوارًا مهمةً في حمايةِ الدولةِ والسلطانِ، وجاء تأسيسُ الحرسِ السلطانيِّ العُمانيِّ تتويجًا لتاريخٍ طويلٍ من التضحياتِ والبطولاتِ.

وتأسس الحرسُ السلطانيُّ العُماني في عامِ 1971، ليكونَ الدرعَ الحامي لسلطنةِ عُمان ومكانتها. وقد حظيَ كباقي أسلحة قوات السلطان المسلحة بالاهتمام والرعاية الساميين من السلطانِ الراحلِ قابوس بن سعيد طيبَ اللهُ ثراهُ، الذي كان يراهُ جزءًا لا يتجزأ من مسيرةِ النهضةِ العُمانيةِ الحديثةِ؛ لهذا وضع جلالته رؤيةً واضحةً شمل بها الحرسَ بالتطوير والتحديث، ليخطو بعد ذلك خطوات واسعة بصفته مؤسسة متكاملة مهيأة لتنفيذ أي مهمة تُسند إليها، وتستفيدُ من أحدثِ الأساليبِ العسكريةِ العالمية، وذلك في سبيل حماية الوطن والدفاع عنه، وحفظ تقاليده وقيمه العريقة.

وتحت قيادةِ السلطانِ قابوسِ بن سعيد- طيبَ اللهُ ثراهُ- تطورَ الحرسُ السلطانيُّ العُمانيُّ ليصبحَ أحد أهمِّ المؤسساتِ العسكريةِ التي تؤدي دورًا فاعلًا في حمايةِ الوطنِ، ليس فقط على المستوى العسكريِّ؛ بل أيضًا على المستوى الثقافي، والرياضي، والاجتماعي؛ مما جعله عنصرًا أساسيًّا من النسيجِ الوطنيِّ العُمانيِّ.

ومع تولي حضرة صاحب الجلالة السلطانِ هيثم بن طارق -حفظه الله- مقاليدَ الحكمِ، استمرتْ مسيرةُ دعمِ الحرسِ السلطانيِّ وتطويرِه وتمكينه؛ إذ تفضَّل جلالته يوم الأربعاء 29 من ديسمبر 2021م بزيارة سامية للحرس السلطاني العُماني، وبعضٍ من منشآته ووحداته، واستمع إلى إيجاز عن مسيرة تحديث وتطوير الحرس السلطاني العُماني، وما وصل إليه من درجة عالية من الكفاءة في أداء واجباته الوطنية والعملياتية، والقدرة القتالية؛ وذلك بما زُوِّد به من الأسلحة المتطورة، والأجهزة الذكية، والمعدات الفنية والتقنية الحديثة، جنبًا إلى جنب مع باقي أسلحة قوات السلطنة المسلحة الباسلة.

وشملت كذلك الزيارةُ السامية لجلالة سُلطان البلاد المفدَّى -حفظه الله- كلية الحرس السلطاني العُماني التقنية، حيث تفضل جلالته واطلع على الدور الوطني الذي تضطلع به الكلية في رفد الحرس السلطاني العُماني وأجهزة الدولة الأخرى بالكوادر الأكاديمية، والتعليمية، والفنية، والتقنية من مختلف التخصصات، إضافةً إلى ما تشهده هذه الكلية من خطط التحديث والتطوير في المناهج والبرامج العلمية، والأكاديمية، والهندسية، والمساعدات التعليمية، مما يلبي احتياجات الطلبة؛ سعيًا لمخرجات مؤهلة تأهيلًا تقنيًّا يضاهي التعليم التقني الدولي، ويتناسب مع سوق العمل.

وفي يومِ الحرسِ السلطانيِّ العُمانيِّ، نستذكرُ بفخرٍ تاريخَ هذه المؤسسةِ العريقةِ، ودورَها الفاعل في الحفاظِ على أمنِ السلطنةِ واستقرارِها. سائلين اللهَ أن يحفظَ وطننا آمنًا مطمئنًا، وأن يُديمَ عليه نعمةَ الاستقرارِ والرخاءِ تحتَ ظلِّ قيادة السلطان الحكيمةِ، وأن يوفِّقَ الحرسَ السلطانيَّ العُمانيَّ وكلَّ من يسهرُ على أمنِ الوطنِ وقيادتهِ إلى كلِّ خيرٍ وصلاح.

إنَّ دورَنا بوصفنا مواطنين لا يقتصرُ على تقديرِ جهودِ الحرسِ السلطانيِّ العُماني فحسب؛ بل علينا أن نكونَ جميعًا حراسًا أمناء، وجنودًا أوفياء لخدمةِ هذا الوطنِ العزيز، محافظينَ على وحدتهِ، وملتزمينَ بالولاءِ والانتماءِ له، سائلين الله العلي القدير أن يحمي عُماننا الغالية، وقيادتَها الحكيمة من كلِّ سوءٍ ومكروه.

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.