العيد فرحة ووثيقة إنسانية

 

بقلم الدكتور: خالد بن علي الخوالدي

لا تظنوا أننا بعنا القضية يا أحبتنا في غزة العزة، فلم تعد أعيادنا مجرد تواريخ تلونها الحلوى والأضواء، بل صارت شهادات على قدرة الإنسان المعاصر على اختراع البهجة رغم كل شيء، في زمن يسحق فيه الفرح تحت أقدام الأخبار القاسية، يأتي عيد الفطر كصحوة لطيفة تذكرنا بأن الفرح واجب مقدس.

العيد له أكثر من وجه، وهو يختلف إحساسه ومشاعره من بلد إلى بلد، بل من قرية إلى أخرى، فالعيد في العواصم له طرقه وأساليبه التي تختلف عنها في الحواضر والريف والصحراء، ففي شوارع المدن القديمة حيث تعلق الفوانيس كأنها ذكريات مضيئة، يتساوى الطفل الذي يحمل لعبة بلاستيكية مع الشيخ الذي يمسك مسبحته كأنها جواز سفر إلى السلام. بينما في المدن التي تحتوي على ناطحات السحاب، تتحول تلك الناطحات إلى شاشات تعرض أمنيات بسيطة مفادها: ليتنا نعرف كيف نضحك من القلب مرة ثانية.

وتكمن فرحة العيد في أنه طقس ديني وشرعي، حيث خرج الصائمون بعد شهر رمضان محتفلين بالنجاة من معركة الروح ضد الشهوات، حاملين وساماً غير مرئياً مختصره: لقد هزمنا أعظم أعدائنا وهي نفوسنا.

إننا نكبر في كل عيد، لذا نحاول في العيد أن نشتري ذكريات الطفولة ونورث بعضها لأطفالنا ليعيشوها، ومع هذا يغلبنا العيد الرقمي فنفقد البوصلة ونتجه نحو وسائل التواصل الاجتماعي لنقدم التهنئة إلى الآلاف، ونكون أمام مفارقة عجيبة حيث أصبحنا نهنئ الغرباء إلكترونياً بينما ننسى أن نضم الجالسين بجانبنا ونشعرهم بأنهم فرحة العيد، وأنهم متعة الحياة وأنسها.

وتعجبني تلك الثلة البسيطة التي يكون عيدها مختلفاً، فيخترعون مبادرات العيد الإنسانية كأن يخصصوا يوماً لزيارة المرضى في المستشفيات مع هدايا بسيطة، أو يجمعوا مبالغاً من العيدية التي جمعوها للأيتام في غزة وفلسطين وغيرها من الأفكار الشبابية التي تحمل معاني الإنسانية، وكأنهم يقولون: “لا يوجد عيد حقيقي دون أن نشعل شمعة في ظلام أحد ما”.

وربما تكون أجمل هدية في عصرنا هذا هي تلك التي لم تعلن عنها وسائل التواصل الاجتماعي، بأن نمنح بعضنا ساعة من الوقت الحقيقي مع عوائلنا وأحبتنا، بلا هواتف، بلا تصوير، بلا أدوار اجتماعية. فالعيد في النهاية ليس يوم زينة تعلق على الجدران، بل هو لحظة نزيل فيها الغبار عن قلوبنا، كالنافذة التي تنتظر ضوء الفجر بعد ليلة طويلة.

كل عيد وأنتم تعيدون اكتشاف معنى أن تكونوا بشراً،كل عام وقلوبنا مع أهلنا في غزة وفلسطين. كل عام وأنتم بألف خير وصحة وسلامة وسعادة وسرور، كل عام وعمان وسلطانها وشعبها والأمة الإسلامية في أمان وأمن واستقرار.

 

الدكتور خالد بن علي الخوالدي

تعليقات (0)
إضافة تعليق