المرأة العمانية ودورها الرائد في النهضة
17 أكتوبر 2020 من جريدة الرؤية
د. حامد البلوشي
تكريم المرأة يعد فعلاً حضارياً بامتياز، وإنعكاسًا صادقاً لتحضر الشعوب، وقبل أن تهتم الاتفاقيات والمنظمات الدولية بالمرأة جاء الإسلام ليُعيد لها كثيرا من حقوقها التي سلبتها الجاهلية حيث حرمتها حق الميراث والتملك وغيرها، ولم تكن المرأة العمانية بمعزل عن إرثها التاريخي فقد لعبت دوراً حيوياً بسبب انشغال الرجل في المهن والحرف المُختلفة والسفر الطويل طلباً للقمة العيش، فهي الراعية للأسرة ومصدر أمنها وسعادتها.
واليوم تعد المرأة ركناً من أركان منظومة النَّهضة العُمانية فقد حظيت بالرعاية والاهتمام منذ بزوغ فجر النهضة، حيث ساهمت التشريعات والقوانين في إعطاء المرأة كافة حقوقها مما ساعدها على لعب دور مهم في التنمية بجانب الرجل وعزز دورها الوطني في مُختلف ميادين الحياة.
فالمتتبع للقوانين الصادرة في السلطنة يجد أنَّ النظام الأساسي للدولة الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم 101/ 1996 قد كفل المساواة بين المواطنين وضمن عدم التمييز بينهم لأي سبب من الأسباب.
وانضمت السلطنة إلى اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة المعروفة دولياً باسم “سيداو” باعتبارها تُعد وفقاً لأحكام النظام الأساسي للدولة جزءاً من قانون البلاد النافذ بعد الانضمام إليها بموجب المرسوم السلطاني رقم 42 / 2005 وتعد وسائل الانتصاف القضائي، السبيل الأنجع لنيل المرأة حقوقها التي كفلها القانون العُماني.
ولذا فإنَّ المرأة في السلطنة تلعب دورا محوريا إلى جانب الرجل في البناء ولم تتخلف عن ركب التنمية فقد حظيت المرأة بفرصتها المساوية للرجل في التعليم بعد أن حرمت منه فترة طويلة من الزمن، ومن الأقوال الخالدة لمُؤسس النهضة المُباركة- رحمه الله تعالى- أثناء الانعقاد السنوي لمجلس عُمان 2009م: “لقد أولينا، منذ بداية هذا العهد اهتمامنا الكامل لمشاركة المرأة العمانية، في مسيرة النهضة المباركة فوفرنا لها فرص التعليم والتدريب والتوظيف ودعمنا دورها ومكانتها في المجتمع، وأكدنا على ضرورة إسهامها في شتى مجالات التنمية، ويسَّرنا ذلك من خلال النظم والقوانين التي تضمن حقوقها وتبين واجباتها، وتجعلها قادرة على تحقيق الارتقاء بذاتها وخبراتها ومهاراتها من أجل بناء وطنها والارتقاء به ونحن ماضون في هذا النهج، إن شاء الله، لقناعتنا بأنَّ الوطن في مسيرته المباركة، يحتاج إلى كل من الرجل والمرأة فهو بلا ريب، كالطائر الذي يعتمد على جناحيه في التحليق إلى آفاق السماوات، فكيف تكون حاله إذا كان أحد هذين الجناحين مهيضا منكسرا؟ هل يقوى على هذا التحليق”؟!
لقد اختزلت هذه الكلمات الدور الذي تبوأته المرأة العمانية والمكانة التي حققتها فهكذا شاركت المرأة العمانية في النهضة المباركة بعد تسليحها بالعلم والمعرفة فكانت لها بصمة واضحة في الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية، فعلى المستوى السياسي حازت المرأة مكانتها، فنراها في ميدان العمل الديمقراطي تشارك الرجال في صنع القرار، وتدلي بأصواتها في صناديق الانتخابات، وتتقلد أرفع المناصب، وتسند إليها الحقائب الوزارية، كما مثلت المرأة العمانية بلادها كسفيرة مُتميزة في العديد من بلدان العالم فأثبتت كفاءتها وجدارتها وقدراتها السياسية يوماً بعد يوم.
وتقديرًا لما تقوم به المرأة في سير عجلة نمو مجتمعها، فقد استحقت التكريم من لدن جلالة السلطان قابوس -طيب الله ثراه- بتخصيص السابع عشر من أكتوبر من كل عام يوماً للمرأة العُمانية.
واستطاعت المرأة العُمانية المكافحة أن تكون على قدر المسؤولية ومستوى الثقة التي حازتها من القيادة الرشيدة وتقوم بدورها الاجتماعي كزوجة وربة منزل وكأم تقوم على تربية النشء وترضعه حب الوطن والذود عن حياضه والتضحية بالغالي والنفيس من أجل رفعته وتقدمه وتطوره وازدهاره حتى صارت المرأة العمانية واجهة مشرفة لدولتها، وتحقق فيها المثل القائل: “من أراد أن يعرف مدى رقي أمة من الأمم فلينظر إلى نسائها”.
ولذلك ليس بغريب أن تصدرت السلطنة قائمة أفضل الوجهات الأكثر سلماً وأماناً لمعيشة النساء حيث جاءت في المركز الأول عربياً والثاني عالمياً، وذلك ضمن استطلاع شبكة إنترنيشن الألمانية لعام 2018 وهو الاستطلاع المعروف عالمياً باسم “إيكسبات انسيدر”.
وجاءت النهضة المتجددة بقيادة مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- لتؤكد على مكانة المرأة وأهميتها ودورها الكبير في مسيرة النهضة والتنمية والبناء، حيث قال جلالته في خطابه السامي: “إن شراكة المواطنين في صناعة حاضر البلاد ومستقبلها دعامة أساسية من دعامات العمل الوطني، ونحرص على أن تتمتع فيه المرأة بحقوقها التي كفلها القانون، وأن تعمل مع الرجل جنباً إلى جنب، في مختلف المجالات خدمة لوطنها ومجتمعها، مؤكدين على رعايتنا الدائمة لهذه الثوابت الوطنية، التي لا محيد عنها ولا تساهل بشأنها”.
وفي الختام.. إنَّ اعتزازنا بالمرأة هو استثمارنا لغد مشرق فتحية تقدير وإجلال لمربية الأجيال وصانعة الرجال في يوم عيدها على ما قدمته من بذل وعطاء وتضحية وفداء، فهي التي أضحت مثاراً للفخر والاعتزاز، ومثالاً يحتذى به على الصعيدين الدولي والإقليمي.