إن الوسيلة الأولى التي أقرتها التشريعات الجزائية لمكافحة الجريمة هي العقوبة بأنواعها والتي يتم من خلالها تحقيق الأهداف المتمثلة في الردع العام للمجتمع والردع الخاص للمتهم وتحقيق العدالة ، إلا أن التشريعات الحديثة بحثت عن صورة أخرى لمواجهة الخطورة الإجرامية إزاء الجاني تمثلت في وضع تدابير احترازية غايتها الحفاظ على المجتمع من خطورة إجرامية محتملة مستقبلاً بخلاف العقوبة التي تقوم على الأساس الأخلاقي القائم على حرية الاختيار وذلك بفرض أن الجاني يتمتع بالتميز أو الإدراك وحرية الاختيار وبارتكابه الجريمة يستحق العقوبة ، وعُرّف التدبير الاحترازي على أنه إجراءات تتخذ حيال المجرم بهدف إزالة أسباب الإجرام لديه وتأهيله اجتماعياً ،ويختص التدبير الاحترازي بعدة خصائص أهمها أنه يقرر لمواجهة الخطورة الإجرامية وأنه محدد في القانون سواء من حيث النوع والمدة وأنه يصدر بحكم قضائي والخاصية الأخير بأن التدبير الاحترازي لا يرتبط بالمسؤولية الجزائية التي تقوم على حرية الاختيار ، وقد تباينت التشريعات بالأخذ بهذه الصورة كوسيلة أخرى تعتمد إلى جانب العقوبة فمنهم من أخذ بها بشكل صريح أفرد لها نصوصاً خاصة ومنهم أخذ جزأً منها في صورة اكتنفها الغموض والإبهام وهذا الأخير هو المسار الذي اتخذه المشرع العُماني في قانون الجزاء الصادر بالمرسوم السلطاني (7/2018) حيث لم يفرد القانون نصوصاً خاصة تحت مسمى التدابير الاحترازية إنما أخذ بها كصورة غير مباشرة تحت العقوبات الفرعية (التبعية أو التكميلية) ، ولم ترد التدابير الاحترازية بصورة صريحة إلا في بعض القوانين الجزائية الخاصة كقانون مساءلة الأحداث (30/2008) وقانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية (17/1999) وهذا المقال سيركز على بعض التطبيقات للتدابير الاحترازية في القوانين الجزائية المكملة:
1) الإيداع في مصحة للأمراض العقلية :
نصت الفقرة الثانية من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية (17/1999) على أنه:” يجوز للمحكمة بدلاً من توقيع العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من هذه المادة أن تأمر بإيداع من يثبت إدمانه تعاطي المواد المخدرة أو المؤثرات العقلية إحدى المصحات التي تنشأ لهذا الغرض أو معالجته في إحدى العيادات المتخصصة في المعالجة النفسية والاجتماعية والتردد عليها، وفقا للبرنامج الذي يقرره الطبيب النفسي، أو الاختصاصي الاجتماعي في العيادة.ولا يجوز أن يودع في المصحة من سبق الأمر بإيداعه فيها مرتين تنفيذا لحكم سابق، أو لم يمض على خروجه منها أكثر من (٥) خمس سنوات”.
2) الإيداع في دور إصلاح الأحداث:
حسم قانون مسائلة الأحداث الصادر بالمرسوم السلطاني (30/2008) على أن تكييف الجزاءات المقررة لمواجهة الأحداث هي عبارة عن تدابير احترازية فنصت المادة (14) من القانون على ” تطبق في شأن الأحداث الخاضعين لهذا القانون، التدابير والعقوبات المنصوص عليها في هذا الفصل وفقا لأحكامه” . وذكر القانون تدابير الإصلاح في المادة (20) التي نصت على ” تدابير الإصلاح هي : أ- الإيداع في دار إصلاح الأحداث، ب-الوضع تحت الاختبار القضائي، ج- الإلحاق بالتدريب المهني ، د- الإلزام بواجبات معينة ، هـ – الإيداع في مؤسسة صحية ، ومن المهم أن نعرق على تعريف الحدث الذي عرفته المادة الأولى من قانون سالف الذكر بأنه هو “كل ذكر أو أنثى لم يكمل الثامنة عشرة من العمر.” وعرفت ذات المادة من هو الحدث الجانح بنصها على أنه ” كل من بلغ التاسعة ولم يكمل الثامنة عشرة وارتكب فعلا يعاقب عليه القانون ” .
3) منع الإقامة:
ورد النص على منع الإقامة كتدبير احترازي في المادة (66) من قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية حيث نصت المادة على :” تحكم المحكمة المختصة باتخاذ واحد، أو أكثر من التدابير الآتية على من أدين بإحدى الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، أو اتهم لأسباب جدية أكثر من مرة في إحدى الجرائم المنصوص عليها فيه، أو برئ لأسباب شكلية مع وجود دلائل تشير إلى تورطه في إحدى هذه الجرائم:…2- تحديد الإقامة في جهة معينة 3- منع الإقامة في جهة معينة ..”
وخلاصة الرأي بأن المشرع العُماني في قانون الجزاء لم يتبنى استقلالية ذكر التدابير الاحترازية وتفريد نصوص خاصة ، وأخذاً بالاتجاهات الحديثة في السياسة العقابية وتنوع الجزءات التي تحقق الغاية المرجوة المتمثلة في الإصلاح والتأهيل يرى الكاتب أهمية العمل على دراسة التدابير الاحترازية الموجودة في القوانين المكملة وأخذها كصورة ثانية للجزاء في قانون الجزاء لما لها من أثر عدم الاعتماد على العقوبة فقط في تقرير الجزاء.